عندماتسمع المختصين وتقرأ الأخبار والتحاليل في الصحف الجزائرية عن السياسةوالاقتصاد والثقافة والرياضة وشؤون الحياة، يُخيَّل إليك أن أحوالنا أسوأما يكون، وأن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية يُرثىلها وتدعو للقلق والتشاؤم بمستقبل أبنائنا وبلدنا.. لكنك عندما تسمعالمسؤولين عن مختلف القطاعات يتكلمون عن أوضاعنا، تشك في أننا نعيش في نفسالمحيط والمجتمع، وتشك في أنهم يتحدثون عن نفس البلد، ويعطوننا الانطباعبأن أبناءنا في أحسن الأحوال، وأنهم يعيشون أفضل من غيرهم في بلدان عربيةوإفريقية أخرى، وأن الجزائر وصلت إلى مصاف الكبار في كل شيء، وأنناتجاوزنا كل مشاكلنا وهمومنا..
الصحف الجزائرية تطالعنا يوميا بأزمات تعيشها الأحزاب السياسية، وفسادوتزوير واختلاسات في مؤسسات وطنية، واضطرابات اجتماعية وركود في الحياةالثقافية وفشل في الحركة الرياضية، وقضايا متنوعة في المحاكم الجزائرية..إلى درجة التشاؤم بالأوضاع ومستقبل البلاد. وهناك صحف تتحدث عن استقرارسياسي واجتماعي وأمني تعيشه الجزائر، وتنمية اقتصادية واجتماعية شاملة،وحرب على الفساد والرشوة والآفات الاجتماعية.. وصحف أخرى تتحدث عن إنجازاتضخمة حققتها الجزائر لا ينكرها إلا جاحد.. في المرافق والعمران والحرياتوالخدمات وكل المجالات.
لن أخوض في الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لأن أهلالاختصاص أدرى مني بشؤونها واقدر على الكتابة والحديث عنها، ولكنني أريدالتوقف عند هذا التفاؤل المفرط وذاك التشاؤم المبالغ فيه؛ اللذين يستوقفانالمتتبع للشأن الجزائري وتطابقه مع ما يحدث في كرة القدم التي أفضّلالكتابة عنها لأنني أعرِف خباياها أكثر من أي شيء آخر..
البعض يعتقد بأن وصولنا إلى المونديال دليل على تطور وتحسن عرفته كرةالقدم الجزائرية، وأن دخولنا عالم الاحتراف سيحل كل مشاكلنا ويضمن التحولالذي نسعى إليه، ووصول شبيبة القبائل إلى نصف نهائي دوري أبطال إفريقيايعني عودة الأندية الجزائرية إلى الواجهة الإفريقية، كما أن اللاعبينالمحليين دون المحترفين بإمكانهم قيادة سفينة الخضر بجانب المدرب المحليلوحده دون خبرات أجنبية كُفأة.. بل إن هناك من يعتقد بأن جميع الشروطوالظروف المادية والبشرية متوافرة للنهوض بالكرة الجزائرية، وأن عدم تحقيقذلك مردُّه إلى الحظ الذي لم يحالفنا، لا إلى المزيد من العمل والبذل الذيينقصنا.
المطبلون والمزمرون يواصلون تغليط الرأي العام بنظريات وتحاليل وتعليقاتبعيدة عن الواقع، وبعيدة عن التوجهات الفنية والعلمية الحديثة في رياضة لمتعد لعبة عند الشعوب والأمم، بل صارت مشروعا وطنيا لا يقل أهمية عن بقيةالمشاريع التي تعكس استقرار المجتمع وتطوره.
في المقابل، يرى البعض الآخر أن الكرة عندنا صارت في أسوأ أحوالها بينعشية وضحاها، فتحوّل منتخب الأحلام إلى منتخب الأوهام والانهزام، واكتشفناأن بطولتنا ضعيفة واحترافنا انحراف.. بل هناك من ذهب في تشاؤمه إلى حدالتشكيك في كل الذي تحقق على مستويات عديدة في كرة القدم الجزائرية،والتشكيك في أبنائنا وقدراتهم على رفع تحديات أخرى، وتحولت فترة الفراغالتي يمر بها المنتخب وأداؤه ونتائجه إلى مادة يستغلها المشككونوالانتهازيون لمحو كل ما حققناه، واللعب على الوتر الحساس لدى جماهيرناالكروية.
بين عشية وضحاها ساد التشاؤم محل التفاؤل، والنقمة على كرتنا محل الرضاوالقناعة، وعادت نغمة الانتقاد من أجل الظهور والصعود فوق الأكتاف كمايفعل الانتهازيون في كل مرة للسطو على مجهودات وإنجازات غيرهم، وعادالحديث عن العودة إلى الوراء وإعادة النظر في كل شيء لأن منتخبنا لم يعديسجل وقد نُقصَى من المشاركة في كأس أمم إفريقيا المقبلة!
التفاؤل المفرط فيه مبالغة ونفاق ومصلحة شخصية وتغطية للشمس بالغربالوهروب إلى الأمام ومغالطة كبرى، لأننا لم نصل بعدُ إلى توفير كل شروطالنجاح والتألق، وكرتنا لم تخرج حتى الآن من النفق، ومنتخبنا ليس الأفضل..ولكن أوضاعنا ليست سيئة إلى الدرجة التي يتصورها البعض، إذ بإمكاننا أننكون أفضل مما نحن عليه لو عرفنا كيف نثمن إنجازاتنا ونستثمر فيها،وبإمكان المنتخب أن يعود إلى التسجيل والفوز وبالتالي يحقق التأهل.
كذلك، فإن تسويد الوضع وتحطيم المعنويات فيه إجحاف بحق المسؤولين والفنيينواللاعبين وبعض الأندية، ويحمل في طياته نوايا سيئة من بعض الجاحدين الذينلا يروقهم تألق الجزائريين من دونهم، ويتمنون تعثر المنتخب وفشل مشروعالاحتراف، ويريدون إشعال نار الفتنة في الوسط الكروي..
جميل أن نكون متفائلين أحيانا وقساة على أنفسنا أحيانا أخرى، فنرفع سقفطموحاتنا وننتقد سلبياتنا، ولكن الأجمل أن نتسم بالوسطية فنكون معتدلينوصرحاء مع أنفسنا ومع غيرنا، نتحلى بروح المسؤولية ونتحدث ونكتب عن الواقعكما هو، ونبتعد عن التطرف في تقييم أحوالنا سلبا أو إيجابا، لأن الحكمةتفرض علينا النظر إلى الأمور كما هي لتحسينها ومعالجتها، والتواضع يقودناإلى المزيد من البذل وتقدير الجهد، والنظر في المرآة أحيانا يكشف لناعيوبا ينبغي أن نقرها ونعترف بها ولا نخجل منها لأنها فينا ومنا، ولكنتثمين الإنجازات وتشجيعها مسؤوليتنا أيضا، تقديرا للجهد المبذول ولكلأبنائنا الذين يجتهدون فيصيبون ويخطئون، ويفوزون ويخسرون، وينجحونويفشلون.. وهكذا هي الحياة.. يوم لك ويوم عليك، ودوام الحال من المحال،كما أن أحوالنا ليست أسوأ من أحوال غيرنا، ولا أسوأ مما يعتقده البعض..