حفيظ دراجيفي كل مرة نقبل فيها على مشروع جديد في أي مجال من مجالات الحياة، تتعالىالأصوات المتشائمة والرافضة للتغيير؛ تشكك في فوائد المشروع وتعمل علىعرقلته والتقليل من شأنه، كما يتحالف أصحاب المصالح الذين يرون في كلتجديد تهديدًا للمكاسب والمواقع التي تحصلوا عليها على مر السنين، لأنهملا يقدرون على التأقلم ولا يملكون الكفاءة لذلك ولا القدرة على مسايرةالواقع الجديد، ويخسرون الكثير من المزايا والفوائد التي تعودوا عليها..
الأمر نفسُه ينطبق على الاحتراف في كرة القدم الذي دخلناه بالكلمةوببطوننا -كما يقال بالعامية- تحت ضغط الفيفا والفاف والدولة، ولم نكننملك الخيار في الدخول من عدمه، لأننا كنا سنتخلف عن الركب ونخرج تماما مندائرة الامتياز التي نسعى إليها ويطمح إليها الجيل الجديد من أبناءالجزائر الذين سئموا الوضع الذي آلت إليه الكرة الجزائرية.
ورغم مرور بضعة أسابيع على دخولنا هذا العالم على الورق فقط، تعالتبعض الأصوات وتحالفت متشائمة ومتشفية؛ تربط هذا بذاك وتوهم الرأي العامبأننا بمجرد الإعلان عن دخول عالم الاحتراف يتحسن مستوى البطولة والمنتخب،وتنزل علينا أموال الدولة والمساهمين من السماء، ويرتفع مستوى التحكيم،ويزول العنف من ملاعبنا، وتتغير ذهنية المدرب واللاعب والرئيس والمناصروالإعلامي. وهناك أطراف أخرى تربط خطواتنا الأولى نحو الاحتراف بنتائجالمنتخب وأدائه، والمستوى المتواضع للدوري الجزائري، والمشاكل التي تتخبطفيها الأندية، وتتهرب من مسؤولياتها في كل ما تعاني منه الكرة الجزائريةمنذ سنوات، وتعطينا الانطباع بأن ما كنا فيه من هواية وفوضى أفضل وأحسنمما نحن مقبلون عليه!
إن فهمنا الخاطئ لمعنى الاحتراف ودخولنا بمسيرين ومدربين ولاعبينهواة في التفكير والتدبير والتسيير، واعتقادنا بأن النتائج تظهر بعدأسابيع، ينمّ عن جهل فادح بأبجديات نجاح أي مشروع مهما كان نوعه، ويعكستفكيرنا التعيس وعدم قدرتنا على التجاوب والتأقلم مع متطلبات المرحلةالجديدة. والأدهى والأمرّ أننا نتعامل مع الاحتراف في الكرة من زاويةمادية بحتة، بعيدًا عن الأخلاق والمبادئ والكفاءة في التخطيط والتسييروالممارسة، فكل شيء يُحسب بالفوائد والربح والخسارة، والكل ينتظر العشرةملايير سنتيم التي تساعد بها الدولة النوادي التي تستجيب لدفتر الشروط،والكل ينتظر مداخيل الإشهار وحقوق البث التلفزيوني.. ولكن لا أحد يفكراليوم في الاستثمار. والغريب في الأمر، أن الكثير من المسيرين والمدربينواللاعبين لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على دفتر الشروط لمعرفة الحقوقوالواجبات والمتطلبات، وحتى معنى الاحتراف في كرة القدم.
للأسف لا نعرف أن الاحتراف ينهي عهد "الشكارة" التي كان يتداولهارؤساء النوادي فيما بينهم ومع اللاعبين، ويمنح الدولة سلطة مراقبة أموالالنوادي باعتبارها شركات هي أيضا، ويقنن العلاقات بين اللاعبين والنواديوبين النوادي فيما بينها ومع الرابطة المشرفة على دوري المحترفين.
لا ندرك أن الاحتراف بدفتر شروطه يقصي عديد المدربين الذين لا يملكونشهادات التدريب ويفسح المجال لجيل جديد من التقنيين، وأن الاحتراف بشروطهيسد الطريق أمام رؤساء النوادي المغامرين الذين يتداولون الملايير منأموال بيع وشراء اللاعبين، ويمزجون حساباتهم الخاصة بحسابات النوادي التييرأسونها، وأن الاحتراف يفرض هيكلة النوادي بكيفية مختلفة عن ما ألفناه،ويفرض التعامل بالعقود والوثائق والقوانين المنصوص عليها في دفتر الشروط،كما يحدد المسؤوليات ولا يشتتها، ويحدد الحقوق والواجبات لكل الفاعلين فياللعبة على كل المستويات.
ما نقرأه ونسمعه من بعض الفنيين في تقييمهم لتجربة عمرها أسابيع، لمنسمعه منهم بشأن الأمور الفنية والتقنية وهوية اللعب الجزائرية على مستوىالمنتخبات والنوادي، ولم نسمع منهم نقاشا حول توجهات الكرة الحديثة وطرقوخطط اللعب، ولم نسمعهم يتحدثون عن خصائص اللاعب الجزائري وقدراته النفسيةوالفنية على التأقلم مع أساليب اللعب الحالية. أما ما نسمعه من بعضالمسيرين في تقييمهم لهذه التجربة الوليدة فهو الجهل بعينه، وهو الخوف منالشفافية ومن سلطة القوانين والكفاءات الفنية والطبية والقانونيةوالإدارية التي صارت تتشكل منها النوادي، والخوف من التغيير ومن تضييعالمكاسب والمناصب التي استفاد منها الكثيرون.
صحيح أننا تنقصنا النقاشات والحوارات وتبادل الأفكار ونكتفي بالكلاممع أنفسنا فقط، وكل واحد منا يعتقد بأنه على صواب، فلم تظهر على السطحأفكار وآراء يمكن الاستفادة منها.. ولكن هذا لا يمنعنا من أن نبدأ التأسيسلثقافة النقاش والحوار وتبادل الآراء بمساهمة الجميع، لأن بلدا بحجمالجزائر وبالكفاءات التي يتوفر عليها، لا يمكن أن يخلو من الأفكار ولا منالرجال النزهاء الأكفاء.
ما يحدث في الجزائر من تردد وتخوف من الاحتراف أمر طبيعي، وهو نفس ماشهدته بدايات الاحتراف في أكبر البلدان الأوروبية التي سبقتنا، حيث كانالجدل أعمق والتردد أكثر ومقاومة التغيير أكبر وعلى مدى سنوات، قبل أنيستقر بها الحال على ما هي عليه اليوم. وعليه، سيكون مسار التغيير ومفعولهوتأثيره على سلوكياتنا مثل مسار ومفعول وتأثير الديمقراطية والحرية عندمانمارسهما في بداية عهدنا بهما. كما أنه من السابق لأوانه الحديث عنالإيجابيات والسلبيات في التطبيق لا من حيث المبدأ، لأننا لا نملك خياراآخر غير الاحتراف إذا أردنا أن نزرع بذرة تحصدها الأجيال القادمة..